لن أبكي
أولا: البناء الفكري :
1- صورت الشاعرة في هذه القصيدة بعضا من جرائم المحتل الغاشم الآثم ، و تمثلت في هدم و تخريب دور الفلسطنيين و إجبارهم على مبارحة ديارهم و أراضيهم ، و قد انطلقت في نظم قصيدتها من الموضوع و المشهد الفظيع الذي تركه الصهاينة بمنازل الفلسطنيين بمدينة "يافا" السليبة .
2- و محتوى القصيدة تصوير للهمجية الصهيونية القائمة على الهدم و التخريب لكل ما هو فلسطيني ، و إرغام أصحاب الأرض (الفلسطنيين ) على ترك ديارهم ، حيث نرى الشاعرة في ثنايا النص تقف على دور مهجورة لا أنيس بها ، و قد طالها الهدم و التخريب ، و هذا الواقع يثير في الشاعرة ذكريات هذه المنازل عندما كانت عامرة بأهلها الفلسطنيين ، و ما رسموه فيها من آمال و أحلام و مشاريع لغدهم ، غير أنهم الآن تركوها عنوة و قلوبهم تتقطع حزنا عليها ، و لم تجد ببقايا حطام الدور إلا جمعا من البوم و الأشباح ، و هنا يمتلأ قلب "فدوى " بالحزن و الأسى على هذا الحاضر المر الأليم .
3- الشاعرة في حالة شعورية جد متوترة يطبعها الحزن على الواقع الأليم الذي يعيشه الفلسطنييون في رحلتهم مع المحتل ، و حالتها هذه يشاركها فيها الفلسطنييون جميعهم لأن المعاناة هي معاناة أمة ، و شعب برمته .
ثانيا : البناء اللغوي :
1- اعتمدت الشاعرة على الأسلوب الإنشائي و نوعت فيه فنجد النداء في قولها : " يا أحبائي " و هي صيغة ذات مدلول واقعي و نفسي تعكس حجم الرابطة الأخوية المتينة بين أفراد الشعب الفلسطيني ، و على أن الشاعرة نفسها جزء لا يتجزأ من المنادى الذي ورد مضافا إليها ، و نجد الأمر في قولها : " قفا نبك " وفيه حث للمخاطبين على الرغبة الجامحة في البكاء و إفراغ مكنونات النفس ، بالإضافة إلى الاستفهام في قولها : " ما فعلت بك الأيام يا دار " و غرضه إظهار الحسرة و الأسى على ما آلت إليه ديار الفلسطنيين بمدينة " يافا " المحتلة .
2- أسلوب التناص يظهر في النص في موطنيين : الأول في قولها : " قفا نبك " فهو مستمد من مطلع معلقة امرىء القيس التي يقول فيها :
قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
و الثاني وارد في قولها : " غريب الوجه و اليد و اللسان " مستمد من قول المتنبي في وصف "شعب بوان " :
مغاني الشعب طيبا من المغاني بمنزلة الربيع من الزمــــــان
و لكن الفتى الــــــــــعربي فيها غريب الوجه و اليد و اللسان
و يدل هذا التناص أو التقاطع بين النصوص على أن الشعراء لا ينطلقون من فراغ فكري في إبداعهم ، و من جهة يدل على أن فدوى لها إطلاع على الموروث الشعري ، و قد عرفت كيف تخلق منه صورة جديدة فإذا كان امرؤ القيس يستوقف صاحبيه للبكاء على ديار الأحبة التي غادروها راضيين بحثا عن مواطن الماء و الكلإ ، فإن فدوى طوقان تستوقفهما للبكاء على ديار غادرها أهلها مكرهين .
3- دراسة النص عروضيا :
- على أبواب يافا يا أحبائي
على أبــــــوا ب يافا يا أحببــــــــــائي
//0 /0/0 / /0/0/0//0/0/0
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن
- و في فوضى حطام الدور
و في فوضى حطام ددور
//0/0/0//0/0/0/
مفاعلتن مفاعلتن م
- وقفت و قلت للعينين يا عينين
وقفت وقلـــــت للعينيـــــن يا عينيــــن
//0///0//0/0/0//0/0/0/
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن م
بنت الشاعرة قصيدتها على تكرار تفعيلة الوافر " مفاعلتن " فالسطر الأول ناتج عن تكرار تفعيلة الوافر ثلاث مرات ، و قد لحقها جميعها زحاف العصب ( إسكان الخامس المتحرك )، و السطر الثاني ناتج عن تكرار تلك التفعيلة مرتين ، و قد لحقهما زحاف العصب ، مع الحرف الأول لبداية التفعيلة التي ترد في السطر الموالي . و السطر الثالث ناتج عن تكرارها ثلاث مرات ، وقد وردت النفعيلة الأولى منه صحيحة و هذا برهان قاطع على أن الشاعرة بنت قصيدتها على بحر الوافر ، و ليس كما زعمت بعض الكتب على أنه بحر الهزج .
بقلم الأستــــــاذ : عومار باينان ...... ثانوية الشهيد العقيــد سي الحواس باينان
الجمعة مارس 27, 2009 9:36 pm