الأنوار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات التعليم العامة ( تعليم،برامج ، دين ، ثقافة ، رياضة )
 
الرئيسيةأحدث الصور200التسجيلدخول

 

 القراءة الساذجة والقراءة النقدية ل د/ حسن مصطفى سحلول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بولنوار
المدير العام
المدير العام
بولنوار


عدد الرسائل : 262
الموقع : بينكم
المزاج : هادئ جدا جدا
تاريخ التسجيل : 22/06/2008

القراءة الساذجة والقراءة النقدية  ل د/ حسن مصطفى سحلول Empty
مُساهمةموضوع: القراءة الساذجة والقراءة النقدية ل د/ حسن مصطفى سحلول   القراءة الساذجة والقراءة النقدية  ل د/ حسن مصطفى سحلول I_icon_minitimeالجمعة يوليو 18, 2008 12:28 am

ما هي القراءة التي ينبغي علينا أن نختارها موضوعاً للتحليل من بين كل القراءات التي يبيحها النص الأدبي؟ إن الألماني جوس H.R. Jauss يقترح أن نأخذ بعين الاعتبار القراءة الأولى التي استقبل بها النص حين ظهر للوجود. وموقف الناقد الألماني هذا يعود إلى رغبته بالحفاظ على موضوعية التاريخ الأدبي. فالوسيلة الوحيدة لإدخال دراسة التلقي ضمن مواضيع تاريخ الأدب هي أن نكشف النقاب عن التأويل الذي ساد بين القراء في العصر الذي نُشِر فيه النص للمرة الأولى.‏

كيف قُرئ كتاب زينب حين نشره محمد حسين هيكل (كفر غنام، مصر 1888- القاهرة 1956) باسم مستعار عام 1914؟. إن إعادة بناء ما يمكن أن نسميه بأفق الانتظار أو أفق التوقع الذي يحيط بجمهور القراء الأوائل يُنقذ، والحق يقال، التحليل الأدبي من الانغماس في تحليل نفسي مفرط يتهدده حين يتجاهل ذلك التأويل الأول. وإعادة بناء أفق الانتظار ذاك أو إطار الفهم العام الذي يتحكم بالقراءة ويوجهها أمر لا غنى عنه إذا شئنا أن نقيّم طرافة العمل الأدبي لحظة ظهوره وأن نفهم لماذا ترك هذا الأثر أو ذاك في ضمير القراء.‏

ويعرّف الناقد الألماني أفق التوقع بمعايير جمالية في الدرجة الأولى. ويمكن أن نلخصها بما يلي. معرفة جمهور القراء الأوائل بنوع التجربة الأدبية التي يقرؤها (رواية أو قصة صغيرة أو حكاية الخ..). وتجربة ذلك الجمهور الأدبية من خلال أعمال سابقة عوّدته على أشكال أدبية محددة وعلى مواضيع أدبية محددة تعالج على نحوٍ معين. وأخيراً الحدود التي يقيمها ذلك الجمهور بين اللغة الأدبية واللغة اليومية السائدة.‏

وعليه فإن دراسة تلقي "أول رواية عربية فنية" تطلب تذكيراً بالروايات التي كان قد اعتاد قراءتها القراء العرب في مطلع القرن العشرين من أمثال كتب نقولا حداد (لبنان 1872-القاهرة 1954) أو أحمد شوقي (القاهرة 1868-1932) أو زينب الفواز العاملية (صيدا، لبنان 1860- القاهرة 1914) أو طانيوس عبده (بيروت 1866-1932) وتحليلاً لما كان ينتظره هذا الجمهور من الرواية الجديدة ولما كان يتطلع إليه من مواضيع أكثر واقعية وألصق بحياته اليومية من كله نصيب لنقولا حداد (1903) أو من ورقة الآس لأحمد شوقي (1905) أو من الملك قورش لزينب الفوّاز (1905) أو من غرام واحتيال لطانيوس عبده. وإعادةُ بناء أفق الانتظار الذي وجّه قراءةَ زينب تفترض تحليلاً للغة العربيّة السائدة إذّ ذاك وتردّدها بين السجع والنثر في مقامات محمد المويلحي (1898-1900) أو في ليالي سطيح لحافظ إبراهيم (1906) وبين العربيّة الركيكة والعامية الطاغية في عذراء دنشواي لمحمود طاهر حقّي (1909) وبين العربيّة والعجمة في رواية أمين الريحاني (الفريكة، لبنان 1876-1940) خارج الحريم (1917).‏

إن تحليلاً دقيقاً لما استقبل به القرّاءُ رواية زينب حين ظهرت في مطلع القرن العشرين يفترض بالناقد أن يدرس هذه النقاط وأن يأخذها بعين الاعتبار.‏

وينبغي أن نلاحظَ أن البعدَ الاجتماعي غائبٌ عن أفق التوقّع كما يُعرّفه جوس. وأنّ هذا الأخير يهمل أصلَ القيم الجماليّةِ الاجتماعيَّ. وهذا يعني أنّ على دارس زينب أن يعير اهتمامه كذلك لأخلاق القرّاء العرب المصريّين في بداية هذا القرن ولنظرتهم إلى العلاقة بين الرجل والمرأة ولمعرفتهم أو لجهلهم بالريف وبأهله وعاداتهم.‏

ومهما يكن الأمر فإن تحليل الناقد الألمانيّ تحليلٌ تاريخيٌّ. وإذا أهملنا جمهورَ النصِّ الأوائل أي إذا أهملنا مجموعَ القرّاء العاديين فإننا لن نفهمَ البتّةَ ما صار إليه هذا العمل الأدبيّ أو ذاك ولن نفهمَ أبداً تطوُّرَ الأدبِ ولا تاريخ الأنواع الأدبيّة.‏

3-2-القراءة الخطيّة.‏

إن الانتقالَ من نظرية التلقي كما صاغها منظّرو مدرسة كونستانس والتي تخضع للمنظور التاريخيّ إلى مختلف نظريّات دلاليّة القراءة والتأويل التي تولي عنايتها للبنيّة النصيّة يعني أن تُطرَح المسألةُ من جديد وبمفردات مختلفة.‏

والأمر أنه ما إن يبدأ الناقد بكشف النقاب عن سبل القراءة الكامنة في النص حتى يضع خيارُه النظريّ الجوهريُّ وجهاً لوجهٍ القراءةَ "الساذجة" والقراءة "العارفة" أو القراءة "ذات الخبرة". ونقصد بالقراءة الساذجة تلك التي تلتزم بمسيرة الكتاب الخطيّة الأفقية. وأما القراءة العارفة أو ذات الخبرة ففيها يوظِّف القارئُ معرفته العميقة بالنص والتي نتجت عن قراءةٍ سابقةٍ لذات النصِّ فيروح يقرأ الصفحات الأولى من النص على ضوء ما يعرفه من خاتمة الكتاب.‏

إنّ القراءة "الساذجة" هي أكثر القراءتين شيوعاً ولا ريب. والنصُّ الأدبيُّ يكتَبُ كي يُقرأَ وهو ينمو مع الزمن. ولابدّ من الأخذ بعين الاعتبار بهذه النقطة الأساسية إذا أردنا أن نفهم كيف يعمل النص.‏

ولنأخذ على سبيل المثال رواية نجيب محفوظ اللصّ والكلاب (1961) لإيضاح ما نقصده. إن الرغبةَ بالانتقام هي حافزُ سعيد مهران الشخصية الأولى وما يفسر أغلب ما يأتي به. ومعرفة القارئ بهذا تثير تطلُّعَه وتدفعه إلى متابعة القراءة. وككلّ فنانٍ ماهر يتقن صنعته يرمي نجيب محفوظ ببطله، وبقارئه كذلك، ومنذ الصفحات الأولى في قلب المغامرة. ومنذ السطور الأولى يشير إلى من سيلاحقهما سعيد مهران بكراهيته ويصبُّ عليهما جام غضبه، نبويّة زوجته الخائنة وعليش صديقه الغادر.‏

وكلّما خُيّلَ لسعيد مهران وبالتالي للقارئ أن لحظة الانتقام قد أزفت كلما دفع بها الكاتب إلى أجلٍ آخر. فمن الواضح أن عقاب الخائنْينِ سيعني نهاية الرواية. وعليه فإن هذا العقاب يجب أن يقعَ في صفحات الكتاب الأخيرة. ولكن إيهام القارئ بشيءٍ ثم إظهار غيره وسيلةٌ ناجعةٌ لإبقاء تطلُّعه يقظاً ورغبته في معرفة الخاتمة شديدةً.‏

ففي الفصل السابع مثلاً، أي في منتصف الرواية تقريباً، يُطلق سعيد النار على عليش من خلال بابٍ مغلقٍ ويحسب أنه قد نال مأربه وأنه قد أوقع بالخائن ما يستحقه. وكذلك القارئ الذي يرى الأحداث من خلال عينيْ البطل فإنه يشاطره ذلك الوهم ويؤمن أن جزءاً من خطّة البطل قد تحقق.‏

ولكن يقظة القارئ تتضاعف وفضوله يشتدُّ حين يكتشف في الفصل الثامن أن القتيل لم يكن عليش وأن قوى الأمن تلاحق بطل الرواية بتهمة القتل. وهذا تطوّر مفاجئٌ في الرواية يُعقّد أحداثها ويضيفُ إليها بعداً عاطفيّاً جديداً وهو بالتالي يضاعف من رغبة القارئ في معرفة ما سيأتي.‏

إنّ تلاعب النصِّ بالقارئ وبأعصابه وهو من أجمل مفاتن القراءة قائمٌ بأكمله على أفقيّة السرد وعلى "خطيّة" القراءة. ولولا القراءة الساذجة لفقد القارئ كثيراً من متعة القراءة وسحرها.‏

3-3-القراءة الثانية.‏

إن كانت القراءةُ الأفقية هي أقربُ أشكال القراءة من طبيعتها وأكثرها احتراماً لأصول تنظيمها فإنها ليست أغناها ولا أكثرها أهميّةً. وليس تتابع الأحداث هو صفة الحكاية الوحيدة.‏

وليس النصُّ الأدبيُّ سطحاً أو خطاً مستمراً وحسب ولكنّه "كتلةٌ" لا تظهرُ الوشائجُ القائمةُ بين أطرافها ولا طبيعةُ العلاقةِ بين هذه الحادثة السرديّة وتلك أو بين هذا المقطع وذاك إلاّ عقب قراءة ثانيةٍ. وعليه فإن تكرار القراءة هو أكثر ما ينسجم مع النصوص الأدبية المعقدة.‏

إنّ شرحَ النصوص الأدبيّة شرحاً مفصّلاً وهو ألف باء الدراسات النقديّة كما يمارسُه المدّرسون والنقّادُ ومحترفو الأدبِ يجعلهم يُدركون أنّ إعادةَ القراءة ليست نشاطاً عابراً أو جزئيّاً كما يحدثُ مثلاً حين يلجأ إليها القارئُ بسبب شرودهِ أو ضعفِ انتباهه عند القراءة الأولى. وهم يعرفون كذلك أن إعادة القراءة ليست كذلك نشاطاً منهجياً شاملاً ولكن محصوراً بالهواة ذوّاقةِ الأدبِ. إن خبرتهم تجعلهم يتساءلون إن لم تكن القراءةُ الثانيةُ أمراً لابد منه على الإطلاق خلال القراءةِ العاديّة نفسها لإدراك الرواية إدراكاً شاملاً. ولابد من معرفة بعض التفاصيل التي لا نستطيع رؤيتها إلاّ عقيْب القراءة لفهم المقصود من هذا المقطع أو ذاك.‏

نحن نرى في الفصل الأول، بل في الصفحات الأولى من عصفور من الشرق (1938) شابّاً يأكلُ بلحاً في شوارع باريس ويلفظُ نواتها تحت مطرٍ عارمٍ ويتخيّلُ نفسه في ميدان المسجد بحيِّ السّيدة زينب وهو يتخيل أن نافورة ميدان الكوميدي فرانسيز هي سبيل مسجد السيّدة.‏

ولن يتذوّق القارئُ تمام التذوّق هذا المشهد إلاّ إن كان يعرِفُ أنّ هذا الشاب هو مصريٌّ وأنّ السيدة زينب هي رمزُ الطهارةِ والقدسية، وأن براءةَ المسجد هي التي ستنقذُه من تدهورِه الأخلاقيّ وأنّ الفنّ الذي يرمز إليه الكوميدي فرانسيز سيكون ملجأه وبرجه العاجي بعد مغامرته العاطفية. وهذه التفاصيل لن يعرفها القارئ إلاّ في الفصول التالية من الرواية. وعليه أن يعود ثانية إلى الوراء أو أن يعيد قراءة الفصول الأولى كي يربطَ هذا بذاك وأوّلها بآخرها.‏

وكذلك عنوان الرواية، وهو لقبُ البطل أيضاً، لن يستوعبه القارئُ إلاّ إذا كان يعرفُ أن الشرقَ هو رمزُ الروحانيّةِ والبُعدِ عن الماديّة الغليظةِ التي تميّز أوروبا كما سيقول توفيق الحكيم (الإسكندريّة، مصر 1898- القاهرة 1987) فيما سيأتي من صفحات الرواية.‏

إنّ كلّ هذه العناصر المثقلة بالمعاني (عنوان الرواية وإهداؤها: إلى حاميتي الطاهرة السيّدة زينب، والفصلُ الأولُ) لا يمكن فهمها على حقيقتها إلا إذا كنّا نعرف "سلفاً" ماذا سيحدث. أي بعد قراءةٍ ثانيةٍ.‏

ليست إعادةُ القراءةِ أمراً مستحباً وحسب حين نقرأُ روايةً ذات حدٍّ أدنى من الفنيّةِ، ولكنها ضرورةٌ لازمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://boulanouar.yoo7.com
 
القراءة الساذجة والقراءة النقدية ل د/ حسن مصطفى سحلول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأنوار :: منتدى التعليم الجامعي :: دراسات ومقالات جامعية في كل التخصصات-
انتقل الى: